أين الخلل وما العمل
( مجموعة مقالات ) 4 - السقوط في التبرير |
|
م. عبد اللطيف البريجاوي
|
هذا خلل من نوع آخر وقع فيه المسلمون وازدادوا بسبب ذلك تخبطا فوق تخبطهم .إنه السقوط في التبرير وعدم الجرأة على مراجعة الأخطاء وهذه صفة لا زمت بني إسرائيل في كثير من تصرفاتهم فقال الله عنهم في سورة الأعراف " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون " (163) الأعراف قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية " ... وأن إبليس أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت, فاتخذوا الحياض; فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتبقى فيها, فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء, فيأخذونها يوم الأحد ..". فطريقة الاعتداء كانت هي عبارة عن تبرير لهم واقتنعوا وأقنعوا أنفسهم بهذا التبرير فكان جزاؤهم أن مسخهم الله قردة وخنازير قال تعالى : " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" (65) البقرة إنها عقوبة من الله لم يعاقب بها قوم غيرهم وذلك لأنهم اعتدوا وبرروا لأنفسهم ما نهاهم الله عنه إن هذه الصفة لم تقتصر على بني إسرائيل فقط بل و يا للأسف الشديد تعدت هذه الصفة وغيرها إلى كثير من المسلمين فوقعوا بها إن سقوط المسلمين في عقلية التبرير جعل كثيرا من الأخطاء تتراكب وتتواكب لتشكل حملا ثقيلا على صدر الأمة لا يزاح إلا بالاقتناع الكامل بضرورة الجرأة على مراجعة أخطاء الماضي ونفي عقلية التبرير والخروج من هذا الكبرياء المزيف . لقد كان من ميزة الأخيار في هذه الأمة الأخذ بالأمر دون التبرير والسقوط فيه فالصحابة رضوان الله عليه كانت ميزاتهم كثيرة ومن هذه الميزات أنهم لم يبرروا لأنفسهم خطأ ارتكبوه بل كانوا يسارعون إلى تصويب الخطأ وفق الخيارات الصحيحة فمن ذلك مثلا قصة كعب بن مالك ورفيقاه الذين لم يبرروا لأنفسهم ما ارتكبوه من تقصير في عدم خروجهم إلى غزوة تبوك مع النبي عليه السلام كما فعل غيرهم من المنافقين بل واجهوا الخطأ واعترفوا به وسعوا إلى إزالته بالطرق الشرعية حتى تاب الله عليهم وكانت النتيجة لهذه الجرأة قرآنا يذكر قصتهم وتوبة الله عليهم إلى يوم الدين ويوم وقف السلطان عبد الحميد رحمه الله رافضا كل الرفض أن يسمح لليهود بالدخول إلى فلسطين ( ومن كان يمنعه وهو خليفة المسلمين وكانت الضغوطات الأجنبية على أوجها والضعف في بلاده يستفحل) فكان بإمكانه أن يوافق متذرعا بتبريرات مختلفة لكنه وقف وقفة البطل الأوحد في ساحات الوغى ولم يسمح لعقلية التبرير أن تدخل إلى خلافته ودفع بذلك ما دفعه ! والحياة مواقف !!. لكن الكثير من المسلمين اليوم وقعوا في عقلية التبرير ولم يقتصر الأمر على الأفراد بل تعداه إلى الشعوب والدول فعلى صعيد الأفراد مثلا ترى كثيرا من الناس يتذرعون لأتفه الأسباب ويتحججون بضائقة مادية ( حقيقية أو وهمية ) ليمدوا أ يدهم إلى الربا والرشوة بحجة عدم القدرة على الإنفاق ويبررون لأنفسهم ما حرمه الله وعلى صعيد الدول ترى الكثير من الدول الإسلامية تبرر لنفسها بطريقة أو بأخرى التعامل مع ألد أعداء المسلمين بحجة المصالح واختلال ميزان القوى وغير ذلك إن عقلية التبرير من أخطر ما يصاب به العقل المسلم من مرض فهي عقلية المصلحة وعقلية المنافع الآنية لا تأبه بالضوابط ولا بالقيم ومن أهم الأسئلة التي يمكن أن تطرح على بساط البحث لماذا يقع الإنسان عموما والمسلم خصوصا في عقلية التبرير ؟؟ الحقيقة أن هناك أسبابا كثيرة منها : 1- الكبر : وهو من أول الأسباب وأهمها التي تجعل عقلية التبرير تتسرب إلى عقل الإنسان المسلم فهو يرى نفسه أنه أكبر من أن يتراجع عن خطأ ارتكبه وأن الحق في جانبه وأنه لا يقول إلا حقا وأن غيره دائما على خطأ وقد عرف النبي عليه السلام الكبر فقال : "الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَغَمَطَ النَّاسَ " أبو داود قال النووي : بطر الحق هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا ( وغمط الناس ) : أي استحقارهم وتعييبهم " . 2 – حب الدنيا : وهو من الأسباب المهمة في عقلية التبرير فالذين لم يذهبوا مع رسول الله إلى غزوة تبوك جعلوا يتذرعون الحجج الواهية لأنفسهم وللناس لتبرير هذا التقصير لكن كعبا وضح ذلك قائلا " .. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه .." فكان حب الدنيا سببا مهما من أسباب السقوط في هذه العقلية . 3 – الجهل : وهو آفة في كل الحالات والأوقات فمن لا يعرف الخير من الشر والحق من الباطل تلتبس عليه الأمور ويدخل في حيزات كبيرة من عقلية التبرير . إن عقلية التبرير من أخطر ما يصيب الأفراد والدول والشعوب وإن بني اسرائيل لما سقطوا في عقلية التبرير مسخهم الله إلى قردة وخنازير والمسلمون لما سقطوا في هذه العقلية عوقبوا بعقوبة المسخ ولكن ليس إلى قردة وخنازير تكرمة لهذه الأمة ولكنها عقوبة المسخ بين الأمم حتى أصبحوا أمة ممزقة لا سيادة لها ,لا يهاب لها جانب ولا تستشار في أمر من أمورها . ومن المهم أن نؤكد على نقطة بالغة الأهمية وهي أن عقلية التبرير ليست هي عقلية الاستراتيجية الإسلامية التي تختار الأنسب من بين كل الاحتمالات بل هي تلك العقلية التي تفعل الخطأ عيانا وجهارا ثم تأبى أن تعود عنه متذرعة بحجج واهية وأسباب بالية وللحديث بقية والله ولي التوفيق |
الثلاثاء، 18 فبراير 2014
أين الخلل وما العمل
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Pages - Menu
Blog Archive
-
▼
2014
(183)
-
▼
فبراير
(183)
- اسيد بن خضير
- خبيب بن عدى
- عمرو بن الجموح
- ثابت بن قيس
- الحارث بن نوفل
- البراء بن مالك
- عبد الله بن سهيل
- مسطح بن أثاثة
- عاقل بن البكير
- شهداء بدر
- أبو حذيفة
- عبد الله بن مظعون الجمحي
- عثمان بن مظعون
- شهداء يوم احد
- سعد بن ابى وقاص
- الزبير بن العوام
- ابو عبيدة بن الجراح
- أنس بن مالك (ع)
- مأساة مسلمي افريقيا الوسطى
- أردوجان.. قصة نجاح
- دراسة التاريخ سلاحنا في بناء مصر
- تطبيق الشريعة
- الجيوش الصليبية بعد (نيقية)
- الفطنة.. روائع القصص
- رستم قائد الفرس وقرار خوض معركة القادسية
- القلة المؤمنة
- مغزى الحياة
- أبو لهب وزوجته!!
- طبائع اليهود والنفسية اليهودية
- موسى بن أبي غسان... آخر مجاهدي الأندلس
- العلاقات الخارجيَّة وسقوط دولة المماليك
- حتى تعود النعمة
- أبو لهب وزوجته!!
- من قواعد بناء الأمة الإسلامية
- حتى تعود النعمة
- عند صلاة الفجر... لا تلتفت للعواء
- د.ممدوح حنا: كلفت من الكنيسة بإعادة (الشماس) للمسي...
- حوار مع الشيطان
- أقوال وأمثال عن البَشَاشَة وطلاقة الوجه
- الانتصار على العادة السرية.. وسائل عملية للوقاية و...
- الكتاب المسموع ودعوة للمشاركة
- السند وطالب العلم الشرعي اليوم
- ما خلف كواليس.. أكاديمية إبليس..!!
- البرامج المعربة وصناعة نجوم الضياع
- ستار أكاديمي وتمزيق الحياء
- ستار أكاديمي ... تباً لباعة العار !!
- حرية الرأي في الإسلام
- أين الخلل وما العمل
- أين الخلل وما العمل
- أين الخلل وما العمل
- ما هو الوسط في الدين ؟
- {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}
- معنى قوله تعالى : لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا...
- شروط قول لا إله إلا الله
- قصة المال الضائع
- قصة الوزير والملك
- A Woman Putting Her Picture on Facebook
- A cry of a young woman
- Fatwas for Women during Hajj
- Important guidelines & fatwa for Muslim women
- The Hijab is Beautiful
- The Hijab: Unveiling a Mystery
- The Muslim Woman - Her Status in the Ummah
- The Five Secrets of a Productive Muslimah
- How to make your Wife happy ?
- 10 Violations in performing Ruqyah
- Top 10 Tips to Become A Productive Muslimah
- Five Stress Busters to Enhance your Productivity
- التهجير الديني الممنهج لمسلمي إفريقيا الوسطى
- صَوِّرُوا أختكم وهي عارية!
- قصص من خشوع السلف في الصلاة
- من الأساطير المؤسسة لليبرالية العربية
- معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية
- شرح البحث المتقدم في جوجل Google
- كتاب اعترافات عاشق EPUB
- مالك بن دينار وبائع التين
- كتاب العشيقة epub
- كتاب القابضات على الجمر EPUB
- كتاب اعترافات عاشق EPUB
- سألت نفسى
- كتاب الرحيق المختوم EPUB
- كتاب منطلقات طالب العلم EPUB
- كتاب استمتع بحياتك EPUB
- أسرار عن العنف بين الرجل والمرأة
- A German lady converts to Islam
- Experience of a Canadian woman
- Why I embraced Islam ?
- المرأة الذكية هي التي تتزوج رجل عصبي، لماذا ؟
- 11 سبباً لارتباط النساء برجال أصغر سناً منهنّ!
- من هم الأزواج الأكثر سعادة؟
- لماذا لا يعتذر الزوج ؟
- جمل بسيطة تأسر الزوجات
- لماذا أسلمت المنصّرة وزوجة الكاهن الأمريكي المشهور؟
- قصة إسلام القسيس \" انسيلم ترميدا \" صاحب كتاب [ ت...
- قصة خشوع طفل .. لم تشغله ذبابة خلف بن أيوب ؟!
- قصة إسلام القسيس \" انسيلم ترميدا \"صاحب كتاب [ تح...
- عـنترة في عصر الكمبيوتر
- تاجرتُ مع الله ..
- سألت ربي خمسة ريالات
- قصة إيميل
-
▼
فبراير
(183)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق